نحن في مفترق طرق: فإما أن نقبل صحيح البخاري و
كل "ما وجدنا عليه آباءنا"،و كأنه قرآن منزل حتى نحمي تراثنا - و لو بدا
متناقضا أوهن من بيت العنكبوت - و مشايخنا، و نقدس السلف الصالح كي يظل بعض الخلف
الصالح راضيا مطمئنا إلى الأوهام، و آنذاك سنواجه سيلا من الأسئلة التي لا تتوقف،
و سيتبين لنا أننا أحياء-أموات نحيا-نموت في جلابيب الأموات-الأحياء، و حينها سنظل
أضحوكة أمام كل الشعوب، ندفن رؤوسنا في الرمل،و نعيش عالة على الإنسانية. و إما أن
نتملك الجرأة و التواضع و الروح العلمية و العقلانية و نعمل على تنقية تراثنا (مما
علق به من أوهام و إسرائيليات و أساطير و صراعات سياسية إيديولوجية مذهبية لازالت
تحركنا)، منطلقين من مبدأ و قناعة أساسية مفادها أن لا وجود لبشر معصوم أو منزه عن
الخطأ.
ــــــ
إن الفصل - في ثقافتنا - بين "العصر
الجاهلي" و "العصر الإسلامي" ينم عن جهل بمعطيات التاريخ، و افتقاد
إلى الروح التاريخية. فبجرة قلم قرر بعض الفقهاء أو المثقفين، أن ما كان قبل ظهور
الإسلام في مكة، يعتبر جاهلية.لم يكلفوا أنفسهم عناء الإطلاع على تاريخ الحضارات
السابقة، و إسهاماتها في التأسيس ل: الفلسفة و الطب و الهندسة و الجبر و الشعر و
المسرح و الآدب و الدين و التاريخ و الجغرافيا و السياسة و الفلك و تاريخ الأفكار
و حقوق الإنسان...(البابليون و المصريون و الهنود و الإغريق و الرومان...). و
خطورة مثل هذا التصور تكمن في كونه ينطلق من نظرة استعلائية متمركزة على الذات
(مقولة شعب الله المختار)، متتسربلة برداء الدين (و هو منها بريء). نحتاج إلى الكثير من الجرأة و التواضع حتى نستطيع إعادة
النظر في مجموعة من المقولات المسكوكة و الأفكار الجاهزة التي يطلب منا التصديق
بها دون تفكير.
ــــــ
ليست الأنظمة السياسية المستبدة - وحدها- هي التي
تمنعنا من ممارسة حريتنا في : الكتابة و الإعتقاد و الرأي...بل المنع الأشد خطورة
يأتي من: أسرة تلقن الطاعة و لا تعلم الحوار، و من مجتمع يقدس و يحرس أوهامه، و
خطاب ديني يكفر و لا يفكر.
ــــــ
يشتغل العديد من المفكرين المعاصرين على تجديد الخطاب الديني، و
إعادة النظر في التراث الإسلامي لتنقيته من الأساطير، لإنجاز مهمة الإصلاح الديني
التي بدونها لا يمكن أن نأمل في إنجاز ثورة ثقافية و اجتماعية و سياسية( أمثال
:علي عبد الرازق - رضوان السيد - محمح أركون - محمد عابد الجابري - محمد شحرور -
عدنان الرفاعي - نصر حامد أبو زيد - يوسف الصديق - جمال البنا- عدنان ابراهيم - احمد
صبحي منصور ...). بيد أن أعمالهم لا تصل إلى جمهور واسع. بل ويواجهون حصارا
إعلاميا و ثقافيا. ليفسح بالمقابل الفضاء الإعلامي
(المسموع و المكتوب و المقروء ) للفكر الوهابي، و الصراع السني-الشيعي،و الخطاب
السلفي و الصوفي الشعبوي( و عدد القنوات الفضائية و الكتب المنشورة دليل على ذلك)
الذي يدور في فلك السلطة، و يعمل على تأبيد الإستبداد السياسي (طاعة أولي الأمر
بدون شروط مسبقة باعتبارها جزءا من طاعة الله مثلا)، و يبرز التفاوتات الطبقية
كسنة إلهية، و يكرس الوضع الدوني للمرأة...و مع ذلك يظل وجود الأنترنت و العالم الأزرق
فسحة أمل في إمكانية تغيير العقليات يوما ما، حتى نصل دراك الإسلام في عالميته و
تسامحه و لا طبقيته و لا مهادنته للظلم و الإستبداد.
0 التعليقات
إرسال تعليق