الأحد، 25 مارس 2018

تحليل ومناقشة نص فلسفي بقلم التلميذة كوثر حفيضي

الفئة المستهدفة : اولى بكالوريا آداب وعلوم
النص
(تقويم منزلي)

بقلم : الفيلسوفة الصغيرة حفيضي كوثر (اولى بكالوريا علوم)

اجتياح الكوليرا للعالم سنة 1866 شكل نقطة تحول في دخول النساء ميدان الطب، فقبل هذا التاريخ كان المجال الطبي حكرا على الذكور فقط فكانت النساء مجرد كيانات خاضعة لمجتمعاتها وراضخة لقراراتها حتى أن منهن من قررت التنكر بهيئة رجل لتحقيق حلمها ، الى أن جاءت المرأة الامريكية اندرسون التي استغلت واقعة الكوليرا لتؤثر في مجتمعها وتغير فكرة كون الطب ميدانا ذكوريا ليصير بعد ذلك مجالا مختلطا. وأمام هذه المفارقات يندرج هذا النص الذي نحن بصدده في وحدة ما الانسان؟ وبالتحديد مفهوم المجتمع ليعالج قضية علاقة الفرد بالمجتمع، ويطرح إشكالا هاما يمكن صوغه كالاتي: ما علاقة الفرد بالمجتمع؟ هل الفرد مجرد كيان خاضع لسلطة مجتمعه أم انه قادر على التأثير فيه والمشاركة بفعالية؟


يقدم صاحب النص دعوى مفادها أن الفرد نتاج للمجتمع وأنه مجرد كيان خاضع له. فكيف دافع الفيلسوف اذن عن اطروحته؟

افتتح الفيلسوف نصه مبينا أن اساس التربية يكمن في التنشئة الاجتماعية للأجيال الصغيرة ، أي وبتعبير اخر فإن تنشئة الطفل اجتماعيا سبيل لنقل ثقافة المجتمع اليه وترسيخها في ذهن الناشئة. وبناء على هذا استخلص وجود كائنين متداخلين في الانسان. وهنا يمكن ان نطرح السؤال التالي: ما هما هذان الكائنان؟ وماهي العلاقة القائمة بينهما؟ وليجيب عن سؤالنا هذا وظف صاحب النص الية القسمة، فالكائن الاول تمثله الذات الفردية والتي تحيل الى شخصية كل واحد منا، وبعبارة اخرى فالكائن الاول تمثله الجوانب المميزة لكل فرد كالطموحات الفردية والمواهب والحالات الوجدانية... الخ ، فهذه الجوانب تختلف من شخص لآخر، فطموحات الفتيات مختلفة عن تلك الخاصة بالصبيان او الشيوخ... والكائن الاخر تمثله المشاعر والافكار التي تتجاوز الفرد ولا تعبر عنه وعن شخصيته (يمكن ان نربط هذا الكائن بالانا الاعلى لدى سيغموند فرويد ( S.Freud . كما اشاد صاحب النص بصعوبة الفصل بين هذين الكائنين وهذا يُصادف غالبا في لحظات عديدة حين تتعارض الرغبات والطموحات مع الافكار السائدة في المجتمع. كما اشار فيلسوفنا الى استثناء مرتبط بالجانب التجريد بمعنى ان الفصل بين هذين الكائنين لا يكون لا باعتبارهما مفهومين نظرين ، ولنأخذ اللباس على سبيل المثال: لا يمكننا الجزم ما ان كان وليد رغبة شخصية ام نتاج للأفكار السائدة. ومن هنا ينتقل صائغ هذا النص لإبراز الهدف من التربية المتمثل في بناء الكائن الاجتماعي وفي هذا السياق نصادف دحضا للتصور القائل بان المجتمع فطري، اذ ان الكائن الاجتماعي يكتسب فلا يولد المرء مغربيا، فرنسيا ،مسلما، مسيحيا.... بل يولد انسانا ثم تشكله التربية والتنشئة الاجتماعية وتصوغه على هواها ليصير كائنا خاضعا. ومن هنا استخلص فيلسوفنا في الختام ان ما يمارسه المجتمع على افراده يجعلهم خاضعين لعملية اكراه قاسية بمعنى ان الكائن الثاني (الاجتماعي) يطغى على الكائن الاول (الذات الفردية) ويجعله حبيسه.

وتتمثل قيمة هذه الاطروحة في كونها تربط الفرد بكونه نتاجا للمجتمع فالفرد مرتبط اشد الارتباط بمجتمعه وهو وليده وخير دليل على ذلك وجود الكائن الاجتماعي – على حد تعبير صاحب النص - ، وهذا ما يؤكده إميل دوركايم E.Durkheim بدوره في قوله ان غاية التنشئة الاجتماعية هي خلق الكائن الاجتماعي. يبقى الفرد اذن في هذه الحالة ’’جروا’’ مقيدا برباط كائنه الاجتماعي . لكن لا يمكننا اغفال الفعال في المجتمع واستحالة عيشه دون مجتمع ، فيستحيل ان يكون الفرد فردا دون مجتمع ، نعم سيعيش الا ان عيشته تلك لن يكون لها ما يميزها عن باقي الكائنات الاخرى وهذا ما توقف عنده الفيلسوف اليوناني ارسطو Aristote ليخلص في الاخير الى ان الانسان اجتماعي (مدني) بطبعه. لكن الفرد كذلك ذات فاعلة في المجتمع لا مجرد خاضع ضعيف. ان طغت الذات الفردية على الكائن الاجتماعي –وليس العكس- فستتاح للفرد فرصة التحرر من عقاله وتغيير محيطه. ولنستحضر هنا مثال هتلر فقد كان المانيا - خاضعا لتقاليد وقوانين المجتمع الالماني – الا انه استطع ان يغير كل ذاك بل فاق تأثيره الحدود الجغرافية لألمانيا وتفشى في العالم باسره. وهنا يمكن ان نتساءل: هل توجد علاقة تفاعل بين الفرد والمجتمع؟ يأتي السوسيولوجي الألماني نوربرت الياس N.Elias ليجيب عن هذا السؤال بدعوى مفادها ان الفرد والمجتمع وجهان لعملة واحدة ؛ فالمجتمع يكون الفرد ويحكمه و يصوغه بقالبه الخاص ؟إلا أن الفرد بدوره يمكن أن يكون فاعلا لا مجرد مفعول به.
ومن وجهة نظري ،يستحيل الحديث عن مجتمع دون فرد او عن فرد دون مجتمع فكلاهما يبني الاخر من جهة. القوانين، العادات ، التقاليد... تميز كل مجتمع عن الاخر الا ان ما يميز الافراد في الذات الفردية. فلو قمنا بأخذ افراد من نفس المجتمعات سنجد تشابها في الكائن الاجتماعي بين غالبية الافراد ،لكن ستختلف الاحلام والطموحات والمواهب الفردية. اي فعل يخالف ارادة الكائن الاجتماعي يعرض الفرد لتأنيب الضمير اولا وفي بعض الحالات سيتعرض للعقاب من طرف المجتمع.
لكن بعد ولادة الفرد يولد انسانا اي يحضر فقط جانب الذات الفردية ثم يتكون الكائن الاجتماعي شيئا فشيئا بفعل التربية والتنشئة الاجتماعية، وهنا يمكننا استحضار مقولة سيمون دي بوفوار S.De Beauvoir ’’ الانثى تولد انسانا ثم تصنع امرأة ’’ . ومنه نستشف ان الفرد ذو دور اساسي في المجتمع ويبقى السؤال المطروح : ان كانت التربية هي السبيل الى بناء الكائن الاجتماعي فهل التخلي عن التربية معناه اندثار المجتمع ؟

وخلاصة القول، كثرت الآراء حول علاقة الفرد بالمجتمع، فريق يؤيد كون الفرد كيانا خاضعا واخر يؤيد كونه فاعلا وكيانا مستقلا. ومنه نخلص لنقول ان العلاقة بين المجتمع والفرد هي علاقة تفاعل فرغم كون الفرد ذاتا فاعلة الا انه محكوم بتقاليد وقوانين... المجتمع. اذن، هل لجميع الافراد نفس المكانة في المجتمع، ام ان هناك عوامل تساهم في اختلاف مكانات الافراد ؟

0 التعليقات

إرسال تعليق

    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.