الجمعة، 27 يناير 2017

جريمة الغاء مجانية التعليم بالمغرب


حين تقع جريمة ما يطرح السؤال التالي: من له مصلحة من وراء هذه الجريمة؟

لا شك أن تدمير المدرسة العمومية بشكل مممنهج جريمة ما بعدها جريمة.إنها جريمة كبرى ستدفع الأجيال الحالية واللاحقة ثمنها غاليا. فمن المستفيد من وراء هذا الاستهداف الممنهج للمدرسة العمومية؟ وأي تكلفة مادية واجتماعية سيتعين علينا جميعا دفعها ؟
1- الدور "الأمني" للدولة:
لم يعد يخفى على أحد سعي الدولة بشكل حثيث نحو "بيع" المدرسة العمومية؛ و"تسليع" التعليم. وجعل المدرسة في خدمة الرأسمال (العابر للحدود) والمقاولات الكبرى (والشعار الجاهز بطبيعة الحال هو تحقيق التنمية البشرية). إن الدولة عازمة على رفع يدها عن قطاع التعليم؛ لتتركه في مهب رياح السوق. وما مشروع إلغاء "مجانية" التعليم (وهو ليس كذلك مادام يمول من المال العام) إلا حلقة من مسلسل طويل.
وراء هذه الجريمة تقف إرادة المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) في تحجيم دور الدولة (ليصير بوليسيا مقتصرا على حفظ الأمن: امن مشاريعهم...). والإجهاز على كل القطاعات ذات الطابع الاجتماعي.
إن سياسة صندوق النقد الدولي (ومن يسبح في فلكه) تقوم على "قتل" و"تصفية" الدول بإغراقها بالديون. ومتى صارت كذلك فقدت سيادتها؛ واستبيحت أراضيها ومقدراتها من طرف الرأسمال. (وما سياسة التقويم الهيكلي ببعيدة عنا! ولنستحضر أزمة اليونان....).
ولان ديوننا تتراكم- يوما بعد يوم- فما علينا سوى خوصصة كل شيء، حتى نستطيع سداد تلك الديون. فكما بيعت الشركات العمومية بأبخس الأثمان حان الدور على المدرسة العمومية لتلقى المصير نفسها( منذ 2008 إلى الآن أغلقت 200 مدرسة عمومية، وتم تفويت بعضها للخواص....).
تلك الديون بطبيعة الحال (وفي ظل غياب الديمقراطية والحكامة والشفافية....) فإنها تتحول إلى مشاريع وهمية، وانجازات تفاخرية لا يمكن ان تسهم في تنمية حقيقية (إذ أن هذه الأخيرة مشروطة ببناء الإنسان لا بناء الحجر). ولنا في مشروع القطار فائق السرعة TGV خير مثال. (فهل نملك طرقات معبدة تزيل عن القرى عزلتها حتى نفكر في انجاز مشروع TGV !!).
إنها ديون( قيود) تؤخذ باسم شعب بأكمله، وتذهب الى جيوب وحسابات المسؤولين في سويسرا...( وحتى لا يقال اننا نطلق الكلام على عواهنه عودوا إلى التحقيقات الصحفية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقارير الجمعيات والهيئات الوطني....للاطلاع على فضائح نهب وتهريب المال العام). 
2 - الاستبداد يتغذى على الجهل :
من مصلحة أي نظام سياسي ينبني على الاستفراد والاستبداد بالقرار السياسي والاقتصادي ويحتكر المجالات العسكرية والدينية...أن ينتعش الجهل والأمية...في أوساط الشعب. ولا أظن نظامنا السياسي يخرج عن هذه القاعدة.
فإذا كان إصلاح التعليم رهينا، أولا وقبل كل شيء، بتوفر الإرادة السياسية، فان تدمير المدرسة العمومية أيضا نتاج إرادة سياسية.
إن كل مشاريع الإصلاح التي طالت المنظومة التعليمية خرجت من المطبخ السياسي للنظام. وكل المجالس واللجان التي أشرفت على صياغة السياسة التعليمية خرجت من رحم النظام السياسي. وإذا كان هذا الأخير نفسه يعترف بفشل المنظومة التعليمية فهل لديه الجرأة لتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية جراء هذا الفشل؟( إعمالا لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة!)
إن الإجهاز على المدرسة العمومية واستهداف "مجانيته" من شانه الضرب بشعارات التعميم والجودة "المدرسة قاطرة التنمية" وتكافؤ الفرص....عرض الحائط.
ولا ينبغي بعد ذلك أن نستغرب تفاقم مشاكل انتشار الجريمة والانحراف وتعاطي المخدرات و"الكفر" بالوطن. 
(لن نستغرب إذن حين نقرأ خبرا مفاده سعي الدولة لبناء 37 مؤسسة سجنية في افق 2018 بميزانية تقارب 140 مليار درهم).
3-لوبيات التعليم الخصوصي :
على إيقاع فقدان الأسر ثقته في المدرسة العمومية استغل الكثيرون هذا الأمر. فبدأت تتناسل المدارس الخصوصية كالفطريات. فصارت المدرسة الخصوصية (مع أنها ليست أفضل حالا من المدرسة العمومية) مشروعا يدر على أصحابه أرباحا كبيرة. ولا شك أن هذا اللوبي (الذي يستثمر في التعليم) ليس من مصلحته أن تقوم للمدرسة العمومية قائمة.
وداخل المدرسة العمومية نفسها سنجد مدرسين- مدرسات " خوصصوا التعليم قبل أن تفعل الدولة (عن ظاهرة الساعات الخصوصية أتحدث).
فما هي تكلفة هذا التدمير الممنهج؟ "إذا كنت تعتقد أن تكلفة التعليم باهظة فلتجرب الجهل". كما قال محام أمريكي.
إن تكلفة التجهيل المادية تكمن في إهدار الفرص تلو الأخرى لتحقيق نهضة شاملة تستهدف الإنسان أولا وقبل كل شيء. أليست الدول التي تقدمت هي تلك التي آمنت بأهمية الرأسمال البشري؛ ومنحت لشعوبها الإمكانات المادية والمعنوية للإبداع والإسهام في تنمية الوطن؟ فكيف إذن تستثمر الدول الصاعدة في تعليم أبنائها وبناتها وتعتبره أقدس المقدسات بينما تعتبرونه انتم عبئا ثقيلا على كاهل الدولة وجب التخلص منه؟ هل أعمتكم مصالحكم الشخصية والضيقة إلى هذا الحد ففقدتم القدرة على النظر أبعد من أقدامكم.
لا تستغربوا إن صنعتم- بسياساتكم العمياء- أجيالا حاقدة. عليكم، على نفسها؛ على "الوطن" (أليس إحراق الذات أشد أنواع "الكفر" بالحياة؛ واكبر تجسيد لليأس؟).
لا تتتعجبوا وأنتم ماضون في تفريق المغرب إلى مغربين- بتنفيذكم لمخططات فاشلة- :مغرب الفيلات ومغرب الكاريانات.
الطامة الكبرى أن البؤساء لن يتركوكم تنعمون بالعيش الكريم، طال الزمن أو قصر. ولكم في التاريخ عبرة يا أولي الألباب! وما تنامي ظاهرة التطرف الديني إلا واحدة مما نحصده، وسنحصده جميعا جراء تخريب المدرسة العمومية؟


    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.