الاثنين، 30 يناير 2017

مفهوم السعادة


للإستئناس فقط
مفهوم : السعادة
مدخل:
 السعادة كلمة السر التي يستعملها الخطاب الإشهاري لإغراء الناس وحثهم على الإستهلاك. وهي أيضا النتيجة التي يعد بها كل دين أتباعه. وهي أيضا غاية الفلاسفة، ومطمح كل إنسان. ولذلك يقضي هذا الأخير حياته في البحث عن سعادته. في هذا السياق نجد الفقير يجزم بأن السعادة تتحقق عند امتلاكه للمال. إلا أن المريض يتساءل (بنبرة تعجب) كيف أكون سعيدا وأنا ومعتل الصحة؟ ويرى البعض الآخر أن السعادة لا يتحصل عليها بدون إشباع الرغبات الجسدية. وآخرون يحصرون السعادة في تلبية المتطلبات الروحية. ناهيك عن الذين يربطونها بالجانب المعرفي وتغذية العقل...
 يدفعنا هذا إلى إثارة تساؤل حول تمثلات السعادة. أهي متعددة ومتباينة؟ ألا يمكن إيجاد دلالة واحدة لمفهوم السعادة؟ ثم كيف نكون سعداء؟ وإلى أي حد يمكن أن نحصل على السعادة من دون إشباع رغباتنا؟ وهل السعادة واجب اتجاه الذات فقط، أم اتجاه الغير أيضا؟
أولا : تمثلات السعادة
الإشكال الأساس 
كيف نتمثل السعادة؟ وهل يمكن إيجاد مدلول واحد للسعادة؟ أليست تمثلاتنا عن السعادة عديدة ومتباينة؟
تباين الآراء حول السعادة (دعوى مسكويه نموذجا)
 في معرض حديثه عن السعادة يبرز مسكويه الاختلاف الموجود في تصور السعادة. فالحكماء فصلوا البدن عن النفس، وقسموا هذه الأخيرة إلى ثلاثة: النفس العاقلة (الحكمة) والنفس الغضبية (الشجاعة) والنفس الشهوانية (العفة). ودعوا لضرورة العدل بين قوى النفس. فالتحلي بتلك الفضائل والانقياد للعقل هو سبيل تحصيل السعادة.
 مقابل ذلك فالوراقيون دافعوا عن كون السعادة لا تكتمل إلا حين تتعلق بالنفس والجسد أيضا. أما الفلاسفة فقد أكدوا على ضرورة الانسجام بين كل مكونات الانسان، واعتبروا السعادة حالة رضى تامة ودائمة.
 وخلافا لذلك نجد عامة الناس يحصرون السعادة في ما هو مادي (الثروة والسلطة والصحة والعشق...). وتتبدى عندهم كحالة لحظية ومتغيرة. وإن كان إيجاد تعريف واحد للسعادة فما السبب في ذلك؟
السعادة ليست مفهوما عقليا (أطروحة إ كانط نموذجا)
 في السياق ذاته يؤكد كانط أن السعادة غاية كل إنسان. وبالرغم من ذلك فسبل نيلها تبدو عديدة بحيث يستحيل تقديم حد واحد لمفهوم السعادة. ويعزى ذلك - في نظر الفيلسوف الألماني – إلى ارتباط السعادة بعناصر تجريبية. فحين أحاول إيجاد سبيل السعادة أتخيل ما يمكنه أن يجعلني سعيدا، والخيال بدوره مستمد من الحس والتجربة. وبالنظر إلى نسبيتهما وتغيرهما فإن بناء مفهوم عقلي (خالص ومجرد) للسعادة أمر متعذر.
 وعلاوة على ذلك يبدو الكائن الإنساني متناهيا، إذ يقبل على طلب السعادة وهو عاجز عن تحديد ما يرغب في امتلاكه (الصحة أم الثراء أم السلطة أم الشهرة أم العمر المديد أم....). وهكذا يتبدى أن السعادة مفهوم خيالي تجريبي، وليست مفهوما عقليا.
استنتاج عام
 حاصل القول إننا نتفق في البحث عن السعادة، ونختلف في الطرق التي نسلكها، مما يبين أن السعادة ليست مفهوما عقليا يمكن تحديده بشكل كوني. وهذا يدفعنا للتساؤل عن قيمة مثل تلك الإحصاءات التي تتمحور حول سعادة الشعوب، فهل السعادة قابلة للقياس فعلا؟؟
ثانيا : البحث عن السعادة
الطرح الإشكالي:
 هل يمكن امتلاك السعادة في هذا العالم؟ أليس البحث عن السعادة وهما (سرابا) يمنحنا الأمل في العيش؟ وهل نكون سعداء حين ننغمس في إشباع اللذات الجسدية، أم حين نقبل على تغذية الجانب الروحي والفكري؟ أين يمكن أن نجد السعادة؟
السعادة واللذة (أطروحة أبيقور نموذجا)
 "اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها " بهذا القول يؤكد أبيقور أن السعادة لا تخرج عن دائرة اللذة. فعن أية لذة يتحدث الفيلسوف؟ يرفض أبيقور حصر اللذة في الملذات والرغبات الجسدية فقط، فهذه ينتج عنها ألم وشر آجل. إن اللذة التي يجعلنا إشباعها سعداء هي تلك التي تحقق لنا سلامة الجسم من الألم، وطمأنينة النفس من كل اضطراب. لذلك علينا أن نكون حذرين في اختيار اللذات التي نشبعها، والألم الذي ينبغي تجنبه. (المخدرات مثلا مصدر لذة لحظية وألم آجل ).
السعادة والتصوف (دعوى أبو حامد الغزالي نموذجا)
 يدافع الغزالي في رؤيته للسعادة عن منظور صوفي ينبني على مفاهيم : التقوى والذوق والتصوف والخلوة والزهد...يرى "حجة الإسلام" أن سعادة الآخرة هي التي تستحق منا العناء في طلبها لأنها دائمة وثابتة. أما سعادة الدنيا فهي فانية مهما طالت.
 إن نيل السعادة يتأتى من خلال اتباع طريق الصوفيين العارفين بالله، والزهد في الدنيا المليئة بالشواغل والمشاكل. والإقبال على الآخرة، والمواظبة على التعبد والخلوة حتى تنكشف لنا الأسرار التي نجهلها، ونكون أقرب إلى إدراك الله عز وجل. باختصار تقترن السعادة بالذوق الروحي والصوفي (تجربة روحانية يصعب وصفها).
تركيب 
 ختاما نقول إنه لا توجد وصفة جاهزة لتحصيل السعادة, إذ يظل هذا الأمر تجربة شخصية ينبغي أن يخوضها كل واحد منا، وأن سيتفيد من تجارب الآخرين دون أن يقلدها. غير أنه لا ينبغي أن نبني سعادتنا على حساب الغير أو على حساب الطبيعة. فهل يعني ذلك أن إسعاد الغير واجب نحو الذات؟
ثالثا : السعادة والواجب
الإشكال الأساس
 إن التفكير في منظومة الأخلاق يتطلب منا استحضار علاقة الواجب (كمقولة أساسية ) بالسعادة (كغاية نحاول بلوغها). فهل الخضوع للواجبات يتنافى مع السعادة؟ أليس الالتزام بالواجب مصدر سعادة للذات؟ ثم هل ينبغي أن نعمل على إسعاد ذواتنا، أم يجب السعي لإسعاد الآخرين أيضا؟ وإلي أي حد يمكن النظر للسعادة كمطلب فردي؟
السعادة واجب اتجاه الغير (موقف آلان نموذجا)
 بمنهجه التأملي كالمعتاد يقدم الفرنسي آلان موقفه من السعادة مبينا أنها ليست "شيئا نطارده، بل هي شيء نتملكه، وخارج هذا التملك فهي ليست سوى لفظ" (بتعبيره). إن السعادة ليست وهما، ولا معطى جاهز. إنها واقع يمكن أن نعيشه. وعلينا أن نصنعه. والشرط الأول لتحقق ذلك هو امتلاك الرغبة في أن نكون سعداء. وإن كنا نجد ونكد لنيل السعادة، فذلك ليس لنستمتع بها بمفردنا فحسب. بل لنتقاسمها مع الآخرين أيضا. وبعبارة أخرى إن سعادة الذات غير مفصولة عن سعادة الغير. ولنهدي الآخرين السعادة ينبغي أن نتملكها أولا (فاقد الشيء لا يعطيه). إن أولئك الذين يشعلون الحروب ويبثون الخراب والدمار، ليسوا سعداء ويرفضون رؤية الآخرين سعداء أيضا.
تعارض السعادة والواجب (تصور ب.راسل نموذجا)
 وحده الإهتمام الودي بالأشخاص والأشياء النابع من الذات بصورة تلقائية، يمكن أن يؤسس لسعادة حقيقية في نظر الفيلسوف الانجليزي. إن السعادة ذلك الشعور يغمرنا حين نهتم بالأشخاص (الأطفال أو العجزة...) والأشياء (الطبيعة مثلا) دون أن نسعى لفرض سيطرتنا عليهم، أو نيل إعجابهم. ولذلك يرى راسل أن هذا الاهتمام يتعارض مع فكرة الواجب (الإكراه) والتضحية بالذات. بل ينبغي أن يكون عفويا لا يثقل كاهل الذات حتى لا يجلب لها الشقاء. "فأنا أريد أن أن يكون الجميع سعيدا، ولكن أريد أن أكون سعيدا أنا ايضا". بتعبير الفيلسوف الفرنسي ديدرو. وهكذا فالواجب عند راسل يتعارض مع السعادة.
خلاصة :
 في الأخير يبدو جليا أن السعادة التي قد ننالها على حساب الغير، وبخرق القانون الأخلاقي لا يمكن إلا أن تكون سعادة مزيفة. فلكي "تكون سعيدا عليك أن تفكر في سعادة الآخر". كما قال باشلار. فهي إذن مطلب جماعي ينبغي أن تتضافر جهود الكل (الفرد – الأسرة – المجتمع – الدولة ) لتحقيقها.

    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.