السؤال الإشكالي
المفتوح: بأي معنى تختار الذات أفعالها؟
نماذج من كتابات التلاميذ الفلسفية
بعيدا
عن نمطية الكتابة الإنشائية الفلسفية
ملحوظة:
تم رقن الموضوع كما هو
يعرف الشخص بالذات المستقلة،الواعية، والحرة
في تصرفاتها واختياراتها، ولذلك كانت الحرية - ولازالت - مطلب كل إنسان، نسخر
حياتنا رغية في بلوغها، مما يحيل على أهميتها ومكانتها، فالشخص متميز عن الكائنات
الحية الأخرى لتملكه جملة من المميزات أهمها الوعي، المسؤولية والحرية، وهي مفاهيم
ترتبط في ما بينها، فالشخص الواعي يستطيع التعالي على الحتميات وتحقيق حريته،
فيكون بذلك مسؤولا، خاصة وأنه هو من اختار ماهيته. وإلا فخضوعه للحتمية يخرجه من
دائرة المسؤولية. وهو ما تتناوله مجزوءة "الوضع البشري"، خاصة حول ما إن
كان الشخص- كمفهوم فلسفي وازن - ذاتا حرة أم كيانا خاضعا.
فهل الشخص ذات حرة أم كيان خاضع لجملة من
الحتميات؟ بمعنى هل الشخص مشروع منفتح على إمكانيات عدة، أم أن الحرية ليست إلا
سرابا ووهما؟ أنحن من يحدد ماهيتنا وبذلك نكون مسؤولين، أم أننا لسنا سوى ترجمة
نمطية للظروف الإجتماعية التي دعينا إليها؟ وأخيرا، إلى أي حد يمكن للشخص بتملكه
للوعي أن يتعالى على الضروريات التي تقيده؟
استند السائل في استفساره الإشكالي الفلسفي
على أداة الإستفهام "بأي معنى..؟"، وهو ما يحيل إلى بحثه وتساؤله عن
المجال الذي يتاح فيه للذات فرصة الاختيار، وكذا شروط التعالي على مجموع الإشراطات
والضروريات التي تمنعها من تملك حريتها والظفر بها. وهو ما تؤكد عليه كثافة البنية
المفاهيمية التي وظفت في السؤال، حيث دعمت التساؤل على الحدود التي تكون فيها
الذات كشخص يمتلك الحرية والوعي والإستقلالية قادرة على تحديد وتعيين اختياراتها
وسلوكاتها ووجهاتها، عن طريق وعيها وقدرتها على الاختيار وتجاوز الحتميات،بعيدا عن
مفاهيم الخضوع والإذعان والقبول بالنمطي.
يعتبر الشخص حرا لأنه ذات تمتلك عقلا، وهوية
و"أنا" يجعله متفردا عن مختلف الكائنات الحية الأخرى، ومتميزا على
الأشخاص الآخرين. كما أنه له قيمة، يختلف مصدرها، فقد يستحقها لنبل أخلاقه
ومبادئه، أو لمكانته الاجتماعية أو لزاده المعرفي.
ولذلك فهو جدير بتمتعه بالحرية، وبفرصة
اختيار توجهاته ومسالكه، حتى يستطيع بناء نفسه وبلوغ مايصبو إليه، فالشخص يعيش
لذاته وليس للآخرين، ولذلك يجب أن يسعى لتأكيد تميزه وتفرده والمحافظة على
خصوصياته.
صحيح أننا ولدنا في العالم، ولكننا لم نولد
منه، ولسنا مجبرين لأن نكون نسخة لما هو موجود مسبقا، وكأننا ضيوف يتعين عليهم
القبول بما حضر والإذعان والطاعة له.
وهو المنحى الذي يسير فيه الفيلسوف
"جان بول سارتر" إذ يعتبر الإنسان مشروعا، منفتحا على إمكانيات عدة،
تتيح له فرصة التصرف في حياته كيفما أراد هو، مع ضرورة تحمل النتائج والقبول بها
والتعامل بمسؤولية مع نعمة الحرية. لكن هذا لا يعني غياب حتميات وضروريات تكبل
الشخص، إلا أن "سارتر" يرى أن الشخص وبفضل العقل والوعي له القدرة على
التعالي على تلك الحتميات ومن ثم بناء ذاته واستشراف المستقبل. وفي هذا الإطار،
ينتقد الأطروحة الماهوية التي ترى أن ماهيتنا تسبق وجودها، لأن في ذلك تصريح بغياب
مفهوم الحرية، في حين سارتر يرى العكس، حيث نحن من يحدد ماهيتنا باستغلال حق
الحرية، وعدم تجريدها من طابعها المسؤول لكن ماذا عن الواقع، أفعلا الشخص ذات حرة؟
لكل مجرى مائي ضفتان، ولذلك فالضفة النقيض
تذهب لما مو واقعي أكثر، حيث تنطلق من التجارب اليومية، إذ لا يمكن غض الطرف عن
جملة من الحتميات والإشراطات تقزم من دائرة الحرية التي يتمتع بها الشخص، بل إنها
تجعل (أي الحرية ) من مطاردتها أشبه بمطاردة سراب، وتضع الشخص في سجن الخضوع
والطاعة.
فنحن لم نختر جنسيتنا، ولا دياناتنا، ولا
أسماءنا...،فقد ولدنا مغاربة مسلمين..وأرغمنا على القبول بذلك، كما اننا نعيش داخل
تنظيم سياسي، يستند إلى دستور يضم مجموعة من البنود، ويتعين علينا كمواطنين
احترامها وعدم التمرد عليها أو رفضها.بالإضافة إلى أننا كتلاميذ كان علينا الخضوع
والإذعان لبيداغوجية تعليمية لم نجن ثمارها بعد.
كلها أمثلة حية مستقاة من واقعنا المعيش،
تصرح بغياب الحقوق الضرورية التي ينبغي للشخص أن يظفر بها، خاصة الحرية التي أصبحت
- خاصة داخل المجتمعات المستبدة - مجرد وهم. وهو ما يشهد له طرح الفيلسوف
"اسبينوزا"، الذي يرى أن الحرية التي نتبجح ونتشدق بامتلاكها ليست سوى
وهم ناتج عن وعينا بسلوكاتنا وأفكارناوشهواتنا ورغباتنا في مقابل جهلنا للأسباب
التي تجعلنا نتصرف كذلك أو نفكر أو نرغب..في شيء معين، ثم جهلنا أيضا بالحتميات
والشروط الطبيعية الإلهية التي تتحكم في ذلك. فالذكر عنيف، ولكن ليس وفقا لرغبته
وبمحض إرادته، وإنما هي أمور تعود لمسائل طبيعية هرمونية، تجعل من العنف طابعا
يميز الذكور عن الإناث. ولتفسير الوجهة التي نحاها الفيلسوف "سبينوزا"
يقترح علينا مثال "الحجرة" التي تتحرك، معتقدة أن حركتها نتاج فعلها
الذاتي، جاهلة بوجود قوة خارجية تؤدي إلى ذلك.
البادي أننا وإن تحدثنا عن حق يسمى الحرية،
فحديثنا دائما يبقى مقيدا بإشراطات وحتميات، تجاوزها لن يحقق إلا حرية نسبية مقيدة
بالمسؤولية مثلا كما يرى "سارتر". وإلا فسعينا نحو تملك الحرية، أو
التبجح بامتلاكها ليس سوى ترجمة لجهلنا بتلك الاشراطات كما يرى"سبينوزا".
وأرى أن التسليم بوجود حرية مطلقة أقرب إلى العالم المثالي منه إلى الواقع، لذلك
يحسن بي أن أتحدث عن حرية ترتدي لباس المسؤولية وتحمل عواقب اختياراتنا وتصرفاتنا.
فطورا تتاح لنا الفرصة ونستطيع تجاوز ما حال دوننا ودون حريتنا وفرصة بناء حياتنا
بالحبر الذي اخترناه نحن، فنكون بذلك مرغمين على تحمل مسؤولية ذلك، والسعي نحو
بناء الذات وتفردها عن الآخرين حتى لا نكون تخطيطا بحبر الرتابة و النمطية.
فإلى أي حد يمكن أن تكون الحرية مصدر قيمة
الشخص؟
إنجاز: هاجر التجموعتي
0 التعليقات
إرسال تعليق