تتغذى الميتافيزيقا على الكثير من الثنائيات والأزواج المفاهيمية التي تحيل إلى عالمين منفصلين بينهما برزخ لا يبغيان. عالم الحقيقة- الخلود- الثبات..../عالم الوهم- الفناء- الصيرورة...
وعلى الرغم من المحاولات الفلسفية التي برزت على الخصوص في إطار الفلسفة المعاصرة؛ لتقويض أركان الميتافيزيقا؛ ونقد أسسها ومفاهيمها، وتعرية آلياتها...وهي المهمة التي انبرى لها فلاسفة كبار أمثال نيتشه؛ هيدغر، تيار الوضعية المنطقية، دريدا...إلا انه من الصعب ادعاء نجاحهم في هذه المهمة. وكأن الميتافيزيقا قدر وجودي!
ما يهمنا هو أن نتساءل عن إمكانية الإفلات من منطق الثنائيات الأنطولوجية والميتافيزيقية تلك؟
لنستحضر في هذا السياق كيف انشطر عالمنا إلى عالمين : "واقعي" وافتراضي.(شبكات التواصل الاجتماعي؛ الألعاب الالكترونية...) الأمر الذي يسمح لنا بالحديث عن عالم افتراضي يوازي- يجاور...عالمنا الواقعي.
انشطر عالمنا إذن إلى شقين : افتراضي/ واقعي. ها نحن مرة أخرى أمام ثنائية جديدة. فهل هذه لعبة أنطولوجية لا نملك منها فكاكا؟
لا أدعي امتلاك إجابات عن هذه الأسئلة المزعجة؛ بقدر ما أود أن اجعلها موضوعا للتأمل . وبالعودة إلى الثنائية المشار إليها سلفا يبدو لي أنه من المهم التوقف لحظة لمساءلتها. فهل يصح الحديث عن هكذا ثنائية ؟ هل يعني ذلك وجود عالم واقعي وآخر افتراضي منفصلان عن بعضهما البعض؟ وإن كان الأمر كذلك فما الحد الفاصل بينهما؟ وأيهما يمثل العالم الحقيقي؟ وبالمقابل أيهما يشير إلى "السيمولاكر" (النسخة) ؟ أيهما نحيا فيه وبه ومعه؟ أليست العلاقة بينهما قائمة على التداخل بحيث يصعب (وربما يستحيل ) الفصل بينهما؟ ثم إن صح هذا القول أليس مؤداه دحض وجود مثل هذه الثنائية "المانوية" (نسبة للديانة المانوية) ؟
بين طيات هذا التساؤلات قد تلمع فكرة الثنائيات والتقابلات مرة أخرى. وكأننا سجناء هذا المنطق الثنائي الأرسطي! (قانون الثالث المرفوع مثلا ) . هل بإمكاننا الخروج من كهف هذا المنطق ؟