نماذج من كتابات
التلاميذ الفلسفية
منهجية الاشتغال على القولة المرفقة بسؤال أو مطلب
الموضوع:
"ليست السعادة هدفا نلاحقه بضراوة، وإنما هي وردة
نقطفها في طريق أداء الواجب."
أوضح (ي)
مضمون القولة، و بين(ي) أبعادها؟
ملحوظة: تم رقن الموضوع دون تغيير
تكاد
تكون السعادة الغاية الأولى والأخيرة التي نشدها ولا يزال ينشدها الإنسان منذ
وجوده على الأرض، إذ يقرنها بكل ما من شأنه أن يجلب له الراحة والطمأنينية. كما
يظل حريصا على أن تكون أفعاله وأقواله مصدرا لجلب السعادة ، وتستبعد، في المقابل،
كل ما يجلب له االشقاء والألم. والإنسان، من طبعه، لا تكتمل سعادته إلا عند تقاسمها
مع الآخرين. لكن، قد يفني الإنسان كل حياته في السعي وراء السعادة دون جدوى،
وكأنها مجرد سراب.
وفي هذا
السياق، نجد القولة التي بين أيدينا تعالج قضية السعي وراء السعادة وعلاقة هذه
الأخيرة بالواجب، تحت مظلة مجزوءة الأخلاق. فلا مناص أن نتساءل:
هل
السعادة ممكنة في هذا العالم، أم أنها مجرد وهم؟ ووفي حالة إمكانية امتلاكها، ما
السبيل لتحصيلها؟ هل يكمن في أداء الواجب، أم في التحرر منه؟ وهل هي واجب نحو
الذات فقط، أم اتجاه الغير أيضا؟ ثم هل هي مطلب فردي، أم جماعي؟
تنطوي القولة على أطروحة مفادها أن السعادة ليست بالمستحيلة،
بل إن امتلاكها رهين بأداء الواجب.
ذلك أن
السعادة باعتبارها هدف كل إنسان وغايته الأسمى في الوجود ليست مجرد وهم ولا سراب،
بل إنها واقع يمكن أن يعيشه الإنسان عبر أدائه لجملة من الواجبات. هذه الأخيرة هي
الطريق التي بموجبها يمكن للإنسان قطف وردة سعادته.
ذلك
الإنسان يسطر في حياته ثلة من الأهداف والغايات يعتبر أن تحقيقها هو الكفيل بتحقيق
سعادته باعتبارها واجبا نحو ذاته. كما الطريق والمسار في تحقيق تلك الغايات يشكل
بدوره إحساسا بالسعادة، زيادة على إضفائه معنى لوجوده.
فارتباط
السعادة بالواجب لا يشمل فقط كونها واجبا نحو الذات فحسب، بل يتجاوز ذلك لتصبح
واجبا نحو الغير أيضا. ذلك أن محاولة إسعاد الآخرين بمساعدتهم عند الحاجة مثلا من
شأنه أن يكون إسعادا لذواتنا أيضا. إذ أن شعورهم بمن يساندهم ويقف بجانبهم يجعل
شعورهم بالسعادة غير قابل للوصف. كما نكون سعداء عندما نراها (السعادة) في عيون من
يحتاج مساعدتنا خصوصا هؤلاء المتخلى عنهم ( في دور العجزة مثلا...)
وتتعدد
الأمثلة، فقيام الإنسان بواجب اختص به، أوامتهن مهنة ما لأدائه، رجال الأمن مثلا (أو
الشرطة) عند متابعتهم لقضية ما ومحاولتهم "القضاء" على من يشكل خطرا على
المواطنين (مجرمين، إرهابيين وغيرهم) فتوصلهم لحل تلك القضية والقبض على المجرم
يشعره بالسعادة وذلك ليس لشيء إلا لأنه قام بواجبه كرجل أمن. وبالتالي فهو يساهم
بذلك في انتشار الأمن والإستقرار.
وكما
يقول الفيلسوف آلان مطلب السعادة "واجب اتجاه الذات ونحو الغير أيضا " فهي
تغدو بذلك مطلبا جماعيا لا يقتصر على الفرد فقط، يتقاسمها الإنسان مع غيره ليضفي
طعما خاضا لهذه الغاية السامية.
وبناء
عليه، تبقى السعادة ممكنة في هذا العالم، كما أنها رهينة بأداء الواجب الذي يعتبر
بدوره واجبا اتجاه الذات والغير. لكن، أليست السعادة مجرد وهم؟ وإلى أي مدى يعتبر
أداء الواجب محققا للسعادة ؟ ألا يعتبر ثقلا لكاهل الإنسان؟ وماذا عن كونها مطلبا
فرديا؟
يكاد
يفني الانسان جل أو كل حياته في السعي وراء السعادة لكن دون جدوى. فيظل يبحث عنه
وهم وسراب. ذلك أنه بمجرد الوصول إلى هدف معين، تظهر للإنسان بعد مدة الرغبة في
تحقيق هدف آخر، ورغم الشعور بالسعادة في بعض اللحظات إلا أنها تبقى قصيرة المدى،
تندثر سريعا وبذلك تبقى صعبة المنال .
وفي هذا
السياق، يؤكد كانط أنها ليست مفهوما عقليا، بل ترتبط بالخيال نظرا لصعوبة إيجاد
مدلول دقيق لأسمى الغايات، كما يصفها الفيلسوف، وبذلك تغدو مجرد وهم، يصعب
امتلاكها- إن لم يكن مستحيلا في دار الفناء- فهل ذلك يؤكد أنها مرتبطة بالحياة
الأخرى؟ وهل هي مطلب فردي يسعى الإنسان لتحقيقها وجني الثمار وحده فيما بعد؟
إنه من
الممكن الحديث عن سعادة حقيقية مطلقة، إنها تلك المرتبطة بكل ما يقربنا إلى الخالق
عز وجل والذي من شأنه أن يحقق لنا السعادة في كلا الدارين. ولعل ذلك ما نلمسه في
تصور حجة الإسلام الذي يربطها بالجانب الروحي والتصوف (التجربة الروحية )، ذلك أن
الابتعاد عن مشاغل الدنيا والتفرغ للآخرة هو مكمن السعادة الحقيقية.
ودون أن
ننسى أن ارتباط السعادة، في مقابل ما قيل، بالواجب من شأنه أن يثقل كاهل الإنسان
ولا يحقق السعادة بقدر ما يحولها إلى شقاء وتعاسة. وكما يقول ديدرو : "أريد
أن أرى المجتمع سعيدا، لكن أريد أن أكون سعيدا أنا أيضا."
وتنتهي
بنا رحلة تحليل ومناقشة هذه القولة إلى القول بتعقيد مفهوم السعادة، ذلك أنه
يتأرجح بين الإمكان وعدمه أو صعوبة نيل السعادة ، وبين ارتباطها بالواجب تارة و
بالتحرر منه تارة أخرى، وبين كونها مطلبا فرديا وارتباطها بالآخرين. فهي هدف أمثل
سعى الإنسان من أجله ولا يزال يبحث عن إيجاد مدلول له.
صفوة
القول، تعتبر السعادة أسمى الغايات عند الإنسان، هناك من تذوق طعمها – غالبا – عند
اقترانها بالجانب الروحي. وهناك من يبحث عنها في جوانب أخرى. وبالرغم من كونها
صعبة المنال، إلا أنها تظل ممكنة الامتلاك. كما أنها لا تكتمل إلا عندما نتقاسمها
مع الآخرين بدون النظر إلى ما ينجم عنها من منافع أو نتائج.
إنجاز :
مرابطي يسرى