الثلاثاء، 24 يناير 2017

الضمير العالمي الخاسر في العدوان


توقفت رحى العدوان الإسرائيلي على غزة عن الدوران، ولو لمدة مؤقتة، لتفسح المجال أمام إثارة أسئلةٍ ذات طبيعة عسكرية، وسياسية، وقانونية، وأخلاقية. ولعل السؤال الذي يُطرح بإلحاح، في وسائل الإعلام ودوائر صنع القرار السياسي، هو: من المنتصر في هذه الحرب، اللامتكافئة أصلاً، بين إسرائيل وحماس؟ يبدو أنه من الضروري قلب القضية، لنقول، عوضاً عن ذلك، من الخاسر في هذه الحرب؟ لكن، ما هي، أولاً، المبررات التي تمنح المشروعية لطرح سؤال من هذا القبيل؟ 
يستند هذا السؤال إلى اعتبارات عدة، أهمها: أن المؤرخ الذي يتحلى بالأمانة العلمية والنزاهة هو الأقدر على تقديم إجابة علمية في المستقبل القريب، أو البعيد، عن سؤال المنتصر في الحرب، بإعادة بناء الوقائع التاريخية بمنطق يجهد نفسه، ليعانق مطلب الموضوعية. كما أننا لا نريد التفكير فيه كثيراً، لعلمنا أن الخبير العسكري أقدر منا، في الزمن الراهن، على مدّنا بمعطياتٍ تسهم في تبديد غموض الأمر على المستوى الميداني. إننا نظن، أيضاً، أن السياسي والإعلامي أكثر انشغالاً بطرح هذا السؤال. الأول ليحدد، من خلال الإجابة عنه، القرارات السياسية التي ينبغي اتخاذها، والثاني يهتم به في إطار سعيه إلى نقل الحدث كما وقع، والإسهام في تنوير الرأي العام، المحلي والعالمي. وعلاوة على ذلك، يمكن القول إن عدالة القضية الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني، سيكون لهما دور كبير في كتابة التاريخ وصنع المستقبل. 
إن رائحة الدم والموت المنبعثة من قطاع غزة، ومشاهد البؤس والدمار، التي عاينها العالم بالصوت والصورة، وجراح الفلسطينيين، التي لم تندمل بعد، ولم تستثنِ الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والعجزة، والتي قوبلت بصمت الدول الكبرى، وتقاعس مجلس الأمن، واستنكار عربي خفيف اللهجة، ذلك كله يؤشر على احتضار الضمير العالمي. وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، والتي ستمر، كما مرت مثيلاتها، مرور اللئام، ذلك كله يدل على أن الخاسر هو القانون الدولي، الذي ينتهك من دون محاسبة ولا عقاب. ما سيسهم في تفريخ العنف، بما أنه اللغة الوحيدة المسموعة.  الخاسر، أيضاً، هو الطموح لبناء السلم العالمي، والذي ولد ميتاً، حين استأثرت الدول الكبرى بصناعة القرار الدولي في مجلس الأمن، ضاربة بذلك مبدأ الديمقراطية في عمقه. وقد ألحقت هذه الحرب، أيضاً، خسارة بصورة الولايات المتحدة الأميركية، التي تقدم نفسها راعية للسلام والديمقراطية في العالم. وكرّست، مرة أخرى، صورة مقيتة عن الأنظمة العربية، التي لا تعدو أن تكون ظاهرة صوتية. 
كما كشفت هذه الحرب النقاب عن بؤس بعض وسائل الإعلام الغربي، الذي لم يتوان في تزوير الحقائق، والانحياز إلى إسرائيل في عدوانها على شعب أعزل. والأدهى سقوط ورق التوت عن بعض أشباه الإعلاميين "المتصهينين"، واجتهدوا في تبرير جرائم إسرائيل، من منطلق عدائهم أيديولوجيا حماس، أو لكونهم مسخرين لخدمة مشاريع الأنظمة الديكتاتورية وتحالفاتها. ويظل الخاسر الأكبر في هذه الحرب على غزة، وفي كل حرب في الكون، هو الإنسانية. فهل يمكن لشعوب مقهورة، من طرف أنظمتها، أن تقدم العون لفلسطين وغيرها، وتنتصر للقضايا العادلة؟ 

نشر المقال بجريدة العربي الجديد بتاريخ 08 غشت 2014

    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.