مجزوءة : الأخلاق
على سبيل التقديم :
تشير الأخلاق إلى القيم العليا الموجهة للسلوك الإنساني، وكذا إلى القواعد المعيارية التي تنظم علاقة الإنسان بذاته وبالغير. وبهذا البعد الأخلاقي يتميز الإنسان عن الحيوان ، إذ به يتعالى على المستوى الغريزي. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما مصدر الأخلاق؟ هل هي فطرية وذات بعد كوني؟ أليست القيم الأخلاقية مكتسبة ونسبية؟ ثم هل تتأسس الأخلاق على الضمير الفردي، أم الضمير الجمعي؟
في هذا السياق يبدو الواجب بمثابة "المقولة الأساسية للأخلاق "(بتعبير إريك فايل)، مادام الإلزام أو الإلتزام بالأخلاق لا يستقيم إلا بترسيخ مفهوم الواجب. أي ما ينبغي القيام به.فهل الواجب ينبني على الإكراه فحسب، أم يقوم على الإلتزام أيضا؟ ثم هل الواجب نابع من سلطة خارجية، أم أنه صادر عن الذات ؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن واجب كوني ومطلق؟
إن كان الإنسان يلتزم بواجباته، ويسلك وفقا لمبادئ أخلاقية، فإنه يطمح بذلك إلى إسعاد نفسه وإسعاد الآخرين. فما السعادة أولا؟ هل يمكن العثور على دلالة واحدة للسعادة؟ أليست تمثلاتنا عن السعادة متباينة؟
لعل الالتزام بالواجب يتطلب منا الإقرار بحرية الإنسان. أي امتلاكه القدرة على الإختيار بعيدا عن أي إكراه خارجي أو داخلي. فهل يتمتع الإنسان بهكذا حرية؟ أنحن نختار أفعالنا بإرادتنا، أم أنها وليدة حتميات وإكراهات عدة؟ ثم هل الحرية واقع معيش؟ أليست مجرد حق إنساني مجرد؟
يبدو واضحا أن إثارة مشكلة الأخلاق يقتضي منا استحضار سؤال العلاقات القائمة بين المفاهيم المشار إليها أعلاه. فهل الإلتزام بالواجب سبيل الحصول على السعادة؟ ألا يشعرنا القيام بالواجب بإكراه تنتفي معه السعادة؟ و إلى أي حد يمكن أن نكون سعداء دون أن نكون أحرار؟ ثم هل الواجب في تعارض مع الحرية، أم أن هذه الأخيرة أساس له؟