الاثنين، 30 يناير 2017

مفهوم الحرية


للإستئناس فقط
مفهوم : الحرية
مدخل :
 "الإنسان كائن بيو- ثقافي" بتعبير السوسيولوجي الفرنسي إدغار موران. وإن كان الجانب البيولوجي فينا يشدنا نحو الطبيعة ويخضع لحتميات عدة (وراثية – بيولوجية ...)، فإن الجانب الثقافي بدوره يبدو محكوما بضرورات ثقافية و اجتماعية وسياسية ...ومع ذلك نشعر أحيانا بأننا أحرار في اختياراتنا وفي رسم مسارات حياتنا. فهل الإنسان فعلا ذات حرة؟ ثم ما الحرية أولا؟
 قد لا نجانب الصواب إن سجلنا بداية ذلك اللبس الذي يكتنف مفهوم الحرية، ويضفي على كل محاولة لتعريفه تعقيدات عدة.وحتى يكون تناولنا لهذا المفهوم منهجيا نميز بين الحرية في جانبها الميتافيزيقي (في علاقتها بالإرادة والحتمية) والحرية من زاوية سوسيوسياسية (في ارتباطها بالقانون).
 يمكن تعريف الحرية (بشكل أولي) باعتبارها "قدرة الفرد على اختيار غاية، والسلوك وفق إرادته دون تدخل عوامل تؤثر في تلك الإرادة، إنها حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها ويتصرف طبقا لمشيئته وطبيعته". بهذا المعنى فالحرية تتأسس على الإرادة (والوعي). فهل نختار أفعالنا بإرادتنا فعلا؟ ألا تجعل الحتمية التي تخضع لها الطبيعة (ونحن جزء منها ) حريتنا مجرد وهم؟ وبالمقابل ألا يمكن يمكن للوعي بهذه الحتميات أن يؤسس للحرية؟ وماعلاقة الحرية بالقانون؟ هل يلغيها، أم يضمنها؟
أولا: الحرية من منظور ميتافيزيقي (أو الحرية في علاقتها بمفهومي الحتمية والإرادة)
التأطير الإشكالي :
 تشير الحرية إلى استقلالية الذات فكريا وسلوكيا، وعدم خضوعها لإكراهات وحتميات ما. كما ترتبط الحرية بالإرادة أيضا. ومقابل ذلك يدل مفهوم الحتمية على خضوع الظواهر الطبيعية والإنسانية لنسق من العلل والنتائج المترابطة فيما بينها بعلاقات وقوانين ضرورية. فهل يعني هذا تعارض الحرية مع الحتمية؟ ألا يمكن أن يكون وعينا بالحتيمات بداية لتحيق الحرية الإنسانية؟ ثم هل نتصرف وفق إرادتنا الخاصة، أم أننا خاضعون لحتميات (بيولوجية - وراثية - سيوسيواقتصادية...)؟
الحرية المشروطة (موقف ابن رشد نموذجا)
 طرحت مشكلة الحرية في الفكر الإسلامي القديم في علاقتها بالقضاء والقدر. وفي هذا السياق يرى ابن رشد أن الفعل الإنساني هو فعل مركب من حرية الاختيار والإرادة، إلا مشروط أيضا بقوانين الطبيعة التي خلقها الله (مبدأ السببية مثلا)، وكذا بقدرات البدن والعقل المتناهية.
 إن الإنسان في نظر الفيلسوف الأندلسي يمتلك حرية وقدرات تؤهله لاكتساب الأفعال أو أضدادها. فهو قادر على القيام بعمل خير أو شرير. ولذلك يتحمل مسؤولية ما يصدر عنه من فعل. فحرية الإنسان ليست مطلقة (كما قال بذلك بعض علماء الكلام كالمعتزلة) وليست منعدمة (كما يعتقد بذلك المذهب الجبري)، ولكنها حرية نسبية ومشروطة بنواميس الطبيعة وإمكانات الإنسان.
الحرية والحتمية (تصور ب. اسبينوزا نموذجا)
 في سياق فلسفي مغاير ( لفكر ابن رشد ) دافع اسبينوزا عن أطروحة مفادها أن الحرية الإنسانية ماهي إلا وهم. وما يجعلنا نتوهم أننا أحرار هو إدراكنا (وعينا) لشهواتنا وأفعالنا وجهلنا بالأسباب والعلل التي توجهنا. فالإنسان يعيش وسط الطبيعة وهذه الأخيرة خاضعة لحتميات وقوانين محددة.
وكمثال على ذلك فقد دلت مجموعة من التجارب على أن حقن  ذكور الفئران بهرمون التيستوستيرون يجعلها مندفعة نحو التحارب. وقد يكشف هذا السبب وراء عدوانية الرجل أكثر من المرأة. مما يبين أننا لا نختار أفعالنا بقدر ما تكون مفروضة علينا.
 وعلى الرغم من ذلك فالحرية لا تتعارض مع الحتمية، بقدر ما أن الوعي بهذه الأخيرة يشكل سبيلا لتحقيق الحرية الإنسانية. (فللتحرر من الأمراض الوراثية مثلا لا بد من إدراك أسبابها أولا).
الحرية والمسؤولية ( أطروحة ج. ب. سارتر نموذجا)
أكد رائد الوجودية أن "وجود الإنسان سابق لماهيته"، أي أنه يوجد أولا ثم  يختار ويحدد ماهيته بإرادته. وإن كان من غير الممكن إنكار الإكراهات والعوائق التي قد تعترضه إلا أن الإنسان يظل قادرا على تجاوزها والتعالي عليها. غير أن امتلاك الإنسان لهذه الحرية يقتضي منه تحمل المسؤولية. فنحن أحرار، وحريتنا تفرض علينا تحمل تبعات اختياراتنا أمام ذواتنا، وأمام الإنسانية جمعاء. (انظر(ي) المحور الثالث من درس الشخص ).
تركيب 
 وعلى سبيل الختم يبدو جليا أن حريتنا ليست معطى جاهزا مادمنا نولد وأمامنا وضعيات سابقة على وجودنا (محددات وراثية - مجتمع - نظام سياسي- وضعية اقتصادية – تاريخ...)، بل إنها شيء نبنيه بقدر ما نملك من إرادة ووعي ومعرفة وقدرة على التجاوز. وبهذا المعنى تظل حريتنا نسبية.
ثانيا: الحرية من منظور سياسي-اجتماعي (في علاقتها بالقانون )
 تثار مشكلة الحرية أيضا ضمن الممارسة السياسية، في علاقتها بالدولة والقانون. وإذا كان هذا الأخير يشير إلى تلك القاعدة الإلزامية التي تفرضها السلطة بهدف تنظيم العلاقات الاجتماعية (مدونة الأسرة مثلا ) فإن التساؤل يطرح حول علاقة الحرية بالقانون. أي هل القانون فعلا يلغي الحرية؟ أليس القانون هو الذي يضمن ويكفل للمواطن حريته بتقييدها؟ ثم هل الحرية حق (طبيعي ووضعي)، أم أنها واقع معيش أيضا؟
القانون يضمن الحرية (موقف مونتسكيو نموذجا)
 من منظور فلسفة التعاقد الاجتماعي عرف صاحب "روح القوانين" الحرية بأنها: "الحق في القيام بكل ما تسمح به القوانين". فالحري لا تعني أن نفعل ما نشاء (لأن ذلك يعيدنا إلى حالة الطبيعة)، بل تعني أن فعل ما نريد في إطار ما هو مسموح به في القوانين. ولتتجسد هذه الحرية فعليا فإننا بحاجة لحكومات معتدلة (أو أنظمة ديمقراطية تسن فيها القوانين بشكل تعاقدي) ترتكز على مبدأ الفصل بين السلط.
 هكذا فالقانون لا يتنافى مع الحرية، بل يكفلها من خلال تقييدها. وهو ما يؤكد عنه ج,ج روسو بقوله "إن المؤكد عندي هو أن قدر الحرية القانون، تحيا بحياته وتفنى بفنائه". فإلى أي مدى يبدو هذا الطرح مقنعا؟
الحرية تجربة وجدانية ( دعوى م. ستيرنر نموذجا)
 على خلاف ماذهب إليه فلاسفة العقد الاجتماعي فإن ستيرنر (احد رواد الاتجاه اللاسلطوي) يعتبر أن القول بكون القانون يحد ويضمن الحرية (في آن واحد) يضمر تناقضا يصعب حله. فالقواعد القانونية التي تضعها الدولة تحد من فرديتي، وتحول أفراد المجتمع إلى نسخ متشابهة. لذلك يقول إن " الدولة عدو الفرد واليد التي تغتاله ". ومقابل الدولة يتحدث ستيرنر عن الرابطة الاجتماعية باعتبارها ثمرة الفرد وصنيع يده (التجمعات النقابية مثلا ).
 إن قوانين الدولة تجعل حرية الفكر والعمل أمرا غير ممكن . تظل الحرية إذن تجربة وجدانية داخلية. فكيف يمكن إثبات هذه الأخيرة؟
من الحرية الميتافيزيقية إلى الحرية السياسية (أطروحة الفيلسوفة حنا آرندت نموذجا)
 تبين حنا آرندت أنه لا يمكن تصور الحرية خارج العلاقات الانسانية التي ينظمها تنظيم سياسي- قانوني محدد. لذلك فالمجال الحقيقي الذي ينبغي أن تطرح فيه مشلكة الحرية، والذي يمكننا أن نثبت فيه هذه الحرية أو ننفيها هوالمجال السياسي (لا الميتافيزيقي) والحياة العامة.
 بهذا المعنى تصير الحرية واقعة ملموسة يمكن البرهنة على وجدها داخل الأنظمة الديمقراطية التي تكفل الحريات الفردية (حرية العقيدة مثلا) والجماعية (تأسيس الجمعيات والاحزاب والنقابات...مثلا). كما يسهل إثبات غيابها في الانظمة الشمولية (الكليانية ) التي تعتقل الأفراد داخل بيوتهم، وتفرض عليهم نمطا معينا من التفكير والاحساس والتصرف (النازية مثلا).
استنتتاج عام
 عطفا على ما سلف بوسعنا القول إن القانون هو ضمانة حريتنا. بيد أن ذلك مشروط بتأسيس أنظمة ديمقراطية تحترم كرامة الانسان، وتقلص من دائرة الممنوع، وتقر الفصل بين السلط، ولا تسمح بتغول الدولة على حساب حرية المواطن. من هنا الحاجة لمجتمع مدني قوي يمارس دوره الفعال (النقابات – الجمعيات الحقوقية...).

    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.