مجزوءة السياسة
على سبيل التقديم :
يقول أرسطو إن الإنسان" حيوان سياسي بطبعه". فطبيعته الإجتماعية تفرض عليه العيش داخل مجتمعات تخضع للتنظيم والتدبير. إنه بحاجة للمارسة السياسية التي تمكنه من تدبير العيش المشترك. ويشير مفهوم السياسة في دلالته الفلسفية إلى كل ما له علاقة بالحكم وممارسته من قبل الدولة (جلال الدين سعيد، معجم الشواهد والمصطلحات الفلسفية، ص222). إنها بتعبير السيوسيولوجي الألماني ماكس فيبر"إدارة التجمع السياسي الذي نسميه دولة أو التأثير الذي يمارس على هذه الإدارة".
يبدو أن السياسة تهدف إلى تنظيم المجتمع ونزع الطابع العفوي عنه، وذلك من خلال ممارسة السلطة بشكل عمومي داخل المدينة أو الدولة.
إن التأمل في الممارسة السياسية -والانطلاق من الواقع المعيش - يكشف عن جملة من المفارقات والإحراجات التي تكتنفها، فهي من جهة أس البلاء إذ تقترن بالعنف والقمع والقوة والتسلط والإستبداد والمكر...(مما ينزع عنها طابع المشروعية) ومن جهة أخرى فهي أساس الدواء (لأمراض المجتمع) متى ارتبطت بقيم الحق والعدالة والمساواة والحرية والخير والسعادة...(الامر الذي يضفي عليها المشروعية).
تتأرجح السياسة إذن بين منظورين: أحدهما واقعي(براغماتي ) والثاني مثالي (أخلاقي ).
تتأرجح السياسة إذن بين منظورين: أحدهما واقعي(براغماتي ) والثاني مثالي (أخلاقي ).
ويتضح أن التفكير في السياسة لا يستقيم دون استدعاء جملة من المفاهيم أهمها: الدولة ( كإطار للممارسة السياسية) والعنف (كآلية لفرض السلطة ) والحق والعدالة (كمعيار تنشده الممارسة السياسية وإحدى الغايات التي تتأسس عليها السياسة).
بناء على ما تقدم ذكره من مفارقات نتساءل: ماطبيعة الممارسة السياسية؟ أهي قائمة على أساس سلطوي فحسب، أم تستند على أسس أخلاقية (مثالية) كذلك؟ هل السياسة مبنية على الحق والقانون، أم أنها تقوم على العنف والقوة؟ أتهدف الممارسة السياسية إلى خدمة الصالح العام وتنظيم المجتمع حقا؟ أليست تلك الممارسة امتيازا بين يدي أقلية تسعى للدفاع عن مصالحها الخاصة فقط؟ ثم أيمكن للدولة أن تمارس وظائفها دون استعمال العنف؟ وهل يمكن أن تتحقق العدالة في غياب الدولة؟...