الثلاثاء، 24 يناير 2017

"الاستبداد في ظل الاستقرار"



اسماعيل فائز  وعياً منا بأهمية امتلاك الحس النقدي، في تناولنا كل الموضوعات، وبالتزامن مع ذكرى العرش، ومرور 15 عاماً على ما أطلق عليه "العهد الجديد"، نحاول أن ننجز وقفة نقدية. ونتوقف هنا عند هذا النعت الذي أطلق على فترة حكم الملك محمد السادس (العهد الجديد). فإلى أي حد يصح الحديث عن مغرب "العهد الجديد"؟ وما مدى مصداقية شعار "الإصلاح في ظل الاستقرار"، الذي صار عنواناً لمرحلة ما بعد الربيع العربي في المغرب؟
شهد المغرب خطوات إيجابية جعلت بعضهم يعتقد أن قطار الانتقال الديمقراطي انطلق من دون رجعة، في مقدمتها، تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، مدونة الأسرة، السماح لوسائل الإعلام بالتطرق لموضوعات كانت تعتبر من المحرمات، وإطلاق مشاريع تنموية، مثل الميناء المتوسطي، ومشروع الطاقة الشمسية، ونظام التغطية الصحية (راميد)، والسعي إلى إصلاح نظام المقاصة... إلخ.
يتضمن ذلك كله إصلاحاتٍ عديدة، قامت بها المؤسسة الملكية والحكومات المتعاقبة، لكن، ما لم نتساءل حول ما هو جوهري، سنظل مرددين القول الشائع "العالم زين"، والمغرب أجمل بلد في العالم، بل وسنعود القهقرى، وسنسمع عن أشباه الشعراء والفنانين والمثقفين الذين يتغنون ويطبلون للمنجزات والسياسات، بدل التفكير فيها، ومعها وضدها، ذلك أن التقدم رهين بالتفكير النقدي، لا بالتغني والتهليل. والسؤال الذي يمكن أن نسترشد به، حتى لا نسقط في التيه، ولا نقف عند القشور: هل أسهمت تلك الإصلاحات في انتقال المغرب إلى صف الدول الديمقراطية؟ أو على الأقل هل نسير في الاتجاه الذي سيوصلنا إلى الهدف المنشود، وهو مغرب العدالة والكرامة والديمقراطية؟
يعترف دستور 2011، قبل الواقع الذي نعيشه، بأن نظامنا السياسي لم يستطع التخلص بعد من عباءة الاستبداد، وأنه ما يزال متشبثاً بنظامٍ مغرق في التقليدية، وإن كان الخطاب الذي يوظفه، من مفاهيم ومقولات، يحيل إلى المعجم السياسي الحديث، من دون القطع، بالطبع، مع المعجم السياسي التقليدي، بل إننا شهدنا "ردة" على مستويات عدة، مع هبوب رياح الربيع العربي. فما هي تجليات ومؤشرات الاستمرار في التشبث بالنظام المخزني، واحتكار المال والسلطة؟
على المستوى الدستوري والسياسي: الإبقاء على المؤسسة الملكية فاعلاً رئيساً في الشأن العام، وتكريس ملكية تنفيذية، تمسك بزمام الأمور، رئاسة المجلس الوزاري، وإمارة المؤمنين، وتتولى رئاسة مجالس عليا، وتحتفظ بصلاحيات واسعة. علاوة على استمرار تحكم وزارة الداخلية في رسم ملامح الخريطة الانتخابية، بما يمنع من حصول أي من الأحزاب على نسبة تقيه شر التحالفات الهجينة. الأمر الذي يكرس السؤال عن جدوى الانتخابات، والأحزاب، ويدفع إلى الزهد في العمل السياسي والمشاركة في التصويت. أضف إلى ذلك عودة ظاهرة التكنوقراط في النسخة الثانية من حكومة العدالة والتنمية، ما يعني التنصل من مبدأ المحاسبة الانتخابية. 
وعلى المستوى الحقوقي: فشل تجربة المصالحة والإنصاف، إذ أسست "للعدالة العرجاء"، التي لم تقوَ على محاكمة المسؤولين عن سنوات "الجمر والرصاص". ثم استمرار استغلال قانون الإرهاب، وليست تجربة 2003 بعيدة عنا. بالإضافة إلى التقهقر في مجال حرية الصحافة، من اعتقال الصحافيين، وتغريم الصحف، والتضييق على الرأي الآخر، ومنع بعض الحريات الفردية والعامة، ومنع المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وقمعها، كما حصل لحظة العفو عن مغتصب الأطفال دانييل، وكما يحصل مع العاطلين عن العمل، ولا ننسى نهج سياسة الانتقام من مناضلي 20 فبراير.
على المستوى الاقتصادي: النموذج التنموي المغربي، ممثلاً في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والذي ما فتئت الدولة وأحزاب وجمعيات تتغنى به، عوض أن تطرحه لمشرحة النقد، تكسر على صخرة التقارير الدولية، وجديدها تقرير التنمية البشرية، الذي بوأنا المراتب المتأخرة وراء دول تشهد حروباً وأنصاف ثورات. ولعل مسلسل إفقار الفقراء وإثراء الأثرياء، وتعميق الفوارق الطبقية لا يحتاج إلى تقارير، إذ العين لا تخطئه في كل مكان. من دون أن نغفل استمرار اقتصاد الريع، واحتكار المشاريع، وهدر المال العام، باعتراف تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ودع عنك استمرار مسلسل فشل، وإفشال المنظومة التعليمية، فتلك حكاية "أمر من المرارة".
عطفاً على ما سلف ذكره، يتبين أننا نعيش فترة ينطبق عليها شعار "الإصلاح في ظل الاستبداد". أي الإصلاح الذي يستهدف تجميل وجه عجوز بلغت من الكبر عتيا، إنه الإصلاح الذي يقوم على مبادرات إيجابية، هنا وهناك، لكنه لا يمس جوهر النظام السياسي وطبيعته. فهل يعني ذلك أن نغلق صندوق "الباندورا" بإحكام، فلا نترك فرصة لبزوغ الأمل في غد أفضل؟
الإجابة عن هذا السؤال تتجسد في مآلات الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير، والتحركات الهادفة للتغير الجذري، التي وإن بدا أن شمعتها انطفأت، فإن طموح العيش في مغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة سيعمل على إحيائها كفكرة، وكحركة. فما السبيل إلى ذلك؟
المقال نشر في جريدة العربي الجديد بتاريخ 2 غشت 2014

    Faiz Ismail. يتم التشغيل بواسطة Blogger.